سورة القارعة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القارعة)


        


{فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)}
{فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ موازينه} إلى آخره بيان إجمالي لتحزب الناس حزبين وتنبيه على كيفية الأحوال الخاصة بكل منهما أثر بيان الأحوال الشاملة للكل وهذا إشارة إلى وزن الأعمال وهو مما يجب الايمان به حقيقة ولا يكفر منكره ويكون بعد تطاير الصحف وأخذها بالايمان والشمائل وبعد السؤال والحساب كما ذكره الواحدي وغيره وجزم به صاحب كنز الأسرار يزان له لسان وكفتان كإطباق السموات والأرض والله تعالى أعلم اهيته وقد روى القول به عن ابن عباس والحسن البصري وعزاه شرح المقاصد لكثير من المفسرين ومكانه بين الجنة والنار كما في نوادر الأصول وذكر يتقبل به العرش يأخذ جبريل عليه السلام بعموده ناظرًا إلى لسانه وميكائيل عليه السلام أمين عليه والأشهر الأصح أنه ميزان واحد كما ذكرنا لجميع الأمم ولجميع الأعمال فقوله تعالى موازينه وهو جمع ميزان وأصله موازن بالواو لكن قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها قيل للتعظيم كالجمع في قوله تعالى: {كذبتْ عَادٌ المرسلين} [الشعراء: 123] في وجه أو باعتبار أجزائه نحو شابت مفارقة أو باعتبار تعدد الأفراد للتغاير الاعتباري كما قيل في قوله:
لمعان برق أو شعاع شموس ***
وزعم الرازي على ما نقل عنه أن فيه حديثًا مرفوعًا وقال آخرون يوزن نفس الأعمال فتصور الصالحة بصور حسنة نوارنية ثم تطرح في كفة النور وهي اليمنى المعدة للحسنات فتثقل بفضل الله تعالى وتصور الأعمال السيئة بصور قبيحة ظلمانية ثم تطح في كفة الظلمة وهي الشمال فتخف بعدل الله تعالى وامتناع قلب الحقائق في مقام خرق العادات ممنوع أو مقيد ببقاء آثار الحقيقة الأولى وقد ذهب بعضهم إلى أن الله تعالى يخلق أجسامًا على عدد تلك الأعمال من غير قلب لها وادعى أن فيه أثرًا والظاهر أن الثقل والخفة مثلهما في الدنيا فما ثقل نزل إلى أسفل ثم يرتفع إلى عليين وما خف طاش إلى أعلى ثم نزل إلى سجين وبه صرح القرطبي وقال بعض المتأخرين هما على خلاف ما في الدنيا وإن عمل المؤمن إذا رجح صعد وثقلت سيآته وأن الكافر تثقل كفته لخو الأخرى من الحسمات ثم تلا {والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10] وفي كونه دليلًا نظر وذكر بعضهم أن صفة الوزن أن يجعل جميع أعمال العباد في الميزان مرة واحدة الحسنات في كفة النور عن يمين العرش جهة الجنة والسيآت في كفة الظلمة جهة النار ويخلق الله تعالى لكل إنسان علمًا ضروريًا يدرك به خفة أعماله وثقلها وقيل نحوه إلا أن علامة الرجحان عمود من نور يثور من كفة الحسنات حتى يكسو كفة السيآت وعلامة الخفة عمود ظلمة يثور من كفة السيآت حتى يكسو كفة الحسنات فالكيفيات أربع وستظهر حقيقة الحال بالعيان وهو قال القرطبي لا يكون في حق كل أحد لما في الحديث الصحيح فيقال يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن الحديث وأحرى الأنبياء عليهم السلام وقوله سبحانه: {يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم} [الرحمن: 41] فيؤخذ بالنواصي والأقدام وإنما يبقى الوزن لمن شاء الله تعالى من الفريقين وذكر القاضي منذر بن سعيد البلوطي أن أهل الصبر لا توزن أعمالهم وإنما يصب لهم الأجر صبًا والظاهر أنه يدرج المنافق في الكافر والحق أن أعمالهم مطقلًا توزن لظواهر الآيات والأحاديث الكثيرة والمراد في الآية {وَزْنًا} والصحيح أن الجن مؤمنهم وكافرهم كالإنس في هذا الشأن كما قرر في محله والتقسيم فيما نحن فيه على ما سمعت عن القرطبي بالنسبة إلى من توزن أعماله لا بالنسبة إلى الناس مطلقًا وأنكر المعتزلة الوزن حقيقة وجماعة من أهل السنة والجماعة منهم مجاهد والضحاك والأعمش قالوا إن الإعمال أعراض إن أمكن بقاؤها لا يمكن وزنها فالوزن عبارة عن القضاء السوي والحكم العادل وجوزوا فيما هنا أن تكون الموازين جمع موزون وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله تعالى وأن معنى ثقلها رجحانها وروى هذا عن الفراء أي فمن ترجحت مقادير حسناته ورتبها.


{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)}
{حِسَابِيَهْ فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} المشهور جعل ذلك من باب النسب أي ذات رضا وجوز أن تكون {رَّاضِيَةٍ} عنى المفعول أي مرضية على التجوز في الكلمة نفسها وأن يكون الإسناد مجازيًا وهو حقيقة إلى صاحب العيشة وجوز أن يكون في الكلام استعارة مكنية وتخييلية على ما قرر في كتب المعاني لكن ذكر بعض الأجلة هاهنا كلامًا نفيسًا وهو أن ما كان للنسب يؤول بذي كذا فلا يؤنث لأنه لم يجر على موصوف فالحق بالجوامد ونقل عن السيرافي أنع قال يقدح فيما عللوا به سقوط الهاء في {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} وفيه وجهان. أحدهما: أن تكون عنى أنها {رَّاضِيَةٍ} أهلها فهي ملازمة لهم راضية بهم والآخر أن تكون الهاء للمبالغة كعلامة وراوية ووجه بإن الهاء لزمت لئلا تسقط الياء فيخل بالبنية كناقة مشلية وكلبة مجرية وهم يقولون ظبية مطفل ومشدان وباب مفعل ومفعال لا يؤنث وقد أدخلوا الهاء في بعضه كمصكة انتهى ثم قال إن هذا حقيق بالقبول ومحصله الجواب بوجه. أحدها: ان راضية هنا فيه ليس من باب النسب بل هو اسم فاعل أريد به لازم معناه لأن من شاء شيئًا ورضى به لازمه فهو مجاز مرسل أو استعارة ويجوز أن يراد أنه مجاز في الإسناد وما ذكر بيان لمعناه الثاني: إن الهشاء للمبالغة ولا تختص بفعال ولذا مثل برواية أيضًا والثالث: أنه يجوز الحاق الهاء في المعتل لحفظ البلية ومصكة أما شاذًا ولتشبيه المضاعف بالمعتل انتهى فاحفظه فإنه نفيس خلا عنه أكثر الكتب.


{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8)}
{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ موازينه} بأن لم يكن له حسنة يعتد بها أو ثقلت سيئآته على حسناته.

1 | 2 | 3